الجمعة، 26 سبتمبر 2014

تعال واستلم هويته الشخصية » عبارة مشؤومة لأهالي معتقلي فرع 215 في دمشق


«عندما يتصل المختار ليقول لك تعال واستلم هوية ابنك الشخصية، يكون خيط أمل الخروج من فرع الأمن العسكري 215 قد قطع، ويكون رنين الهاتف الذي سمعته هو أسوأ صوت قد تسمعه في حياتك، حين جاء ليخبرك أن ولدك قضى تحت التعذيب»، كما يقول أبو رامي الذي فقد ابنه 25 عاما.


العشرات قضوا في أقبية فرع 215 الواقع في منطقة كفرسوسة في العاصمة السورية دمشق منذ بداية الثورة وأغلبهم من كفرسوسة وداريا والمزة ودمر البلد بالإضافة إلى مناطق أخرى، لكن وجود عشرات المعتقلين مجهولي المصير بداخله، هو ما يبقي الأهالي في حالة بحث دائمة لمعرفة أحوال أبنائهم.
لقبه البوم
حال أبو رامي هو حال العديد من أهالي المعتقلين داخل هذا الفرع، فعلى حد قوله إن صوت المختار أصبح يعني لنا أن هناك خبرا سيئا، حتى اننا لقبناه بـ»البوم» فهو لا يتدخل بالأمور الجيدة كـ»الواسطات» لإخراج أبنائنا من الفرع بل فقط لإخبارنا بأنهم استشهدوا.
يتابع «عندما ذهبت إلى المختار لأحضر هوية ابني الشخصية نظرت إلى صورته وهو صغير وتساءلت كيف هو مظهره الآن، أخذت ساعته وحذاءه، وعندما خرجت من مكتب المختار ذهبت إلى زاوية في الشارع قبّلت حذاءه وأجهشت بالبكاء».

"" الغائب يعلم الحاضر ""
المحظوظ هو فقط من يخرج حيا من فرع 215 على حد تعبير أبو خالد من دمشق، فالداخل مفقود والخارج مولود ومن يخرج منه هو مفتاح أمل لآخرين، حيث يروي لنا أنه وبعد ان بقي داخل الفرع 3 أشهر وعاد إلى منزله، زارتهم امرأة هرعت إليه وهي تحمل صورة في يدها، وسالته هل رأيت هذا الشخص داخل المعتقل؟ فأجابها بداية «نعم وهو بخير» بعد أن علم بانها والدته لأنه لم يقو على جرحها، وعندما قالت له وهي سعيدة انها ستجمع له 300 ألف ليرة لتخرجه، لم يستطع إلا أن يقول لها الحقيقة وهو أنه رأى ابنها ميتا.
يبين ابو خالد «عند خروجنا من المعتقل نحمل أخبار من رأيناهم إلى أهلهم قد نستطيع تذكر أسمائهم بدقة أو اشكالهم وقد ننسى نتيجة الحالة النفسية التي نكون فيها، لكن نعلم أن من في الخارج لا يعلمون أي شيء عنا، لذا نطمئنهم عن أخبار أولادهم الأحياء، أما من استشهد فلا نخبر أهله بشيء إلا في حال اضطررنا».
المال مقابل الحياة
هناك العديد من الحالات التي يتكلم بها عناصر من الأمن داخل الفرع مع أهالي المعتقلين ويطلبون منهم المال مقابل الإفراج عن أبنائهم، لكنها «وعود كاذبة» بحسب أم رائد، التي روت لنا قصة اعتقال ابنها من الجامعة، ففي إحدى الليالي استيقظت على رنين الهاتف منتصف الليل ليخبرها المتصل أنه يريد مليون ليرة مقابل خروج ابنها من الفرع ومن ثم هددها بأنها في حال لم تدفع المال سيقطعه إلى أجزاء باستخدام الساطور».
تضيف، استيقظ زوجي على صوت بكائي، ومن ثم أخذ السماعة مني وقال لهم «ليبق لديكم لا أريده، وافعلوا ما شئتم»، لأنه يعلم بانهم كاذبون، مشيرة إلى ان ابنها خرج من الفرع بعد يومين، لكن بعد عام أخذوا زوجها الذي قضى في الفرع تحت التعذيب عن عمر يناهز 54 عاما.
لا صلاة على أحبائك
لا يسلّم فرع الأمن العسكري 215 جثث المعتقلين إلى الأهالي، حيث يبين محمود أنهم لم يستلموا جثة أخيه 27 عاما ولا يعملون ما حل بها، مشيرا إلى أنه هذه حال جميع الأهالي الذين خسروا أحبتهم داخل الفرع، حيث لم تتح لهم الفرصة لرؤيتهم من أجل الوداع الأخير.
وحول مصير جثث قتلى التعذيب، يقول محمود بحزن ان مصيرها إما مقابر جماعية لا نعلم بمكان وجودها حتى، أو ربما يستخدمونها في تجارة الأعضاء.


" ولادة جديدة "
بدوره، روى لنا سامر 29 عاما تجربة نجاته من الموت في فرع 215، بعد أن أصيب المعتقلين بحالة تسمم عامة نتيجة الأكل السيئ، مشيرا إلى أنه كان هو وعشرون شخصا آخر موجود داخل سجن صغير كل منهم يقف على بلاطة واحدة عراة بالكامل والكل مصاب بحالة إسهال بالإضافة إلى الاستفراغ.
وبين أنه لم يجرؤ أي أحد منهم على قرع الباب وطلب النجدة لان من يقرع الباب سيخضع لجلسة تعذيب، لكن عندما مات اثنان من زملاء الغرفة نتيجة التسمم وأحس أن نهايته قريبة، قرع الباب بقوة ومن حسن حظه بانه لم يتلق سوى بعض الشتائم، كما أعطاه طبيب هو ومن معه أبر جعلتهم ينجون من الموت.
يقول سامر، بعد 5 أشهر من الاعتقال والتعذيب لم اتخيل أنني سأخرج مطلقا إلى أن جاء الفرج، لافتا إلى انه عندما خرج كان يبدو كالمهرج حيث أعطاه العسكري بيجامة عريضة جدا ومخططة كما لبس حذاءً واسعا على قدمية وبقي بالقميص الداخلي، لكنه مشى في الشارع غير مبال بالناس لانه كان يستقبل الحياة من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق